كيف علينا أن نقرأ كتاب سفر يشوع
ان قرأناه بإمعان اتضح لنا أننا نجد أنفسنا امام تقاليد تخص سيطي بنيامين وأفرائيم اي سبطي الناحية الوسطى والعائشين في ظل معبد الجلجال لا بل معبد بيت إيل
تم جمع هذه التقاليد الأولى في اواخر القرن العاشر ففي ذلك الزمان قد يشوع الشعب كله فالشعب هنا يدل في الواقع على محاربي الأسباط الذين شاركوا في الخروج من مصر ومع ذلك فلا تهم الظواهر العسكرية بقدر ما تهم العبادات والطقوس
وهكذا يشكل عبور الاردن الفصلان الثالث والرابع بحضور تابوت العهد والذي يماثل عبور بحر القصب دخولاً تطوافياً إلى ارض الميعاد أما في يشوع الفصل الخامس فذكر الختان وما يليه من فصح أول يحتفل به بمحصولات تلك الأرض يوحيان بأننا أمام مشهد طقسي في كل أبعاده
على هذا الأساس جددت قراءة الكتاب عن يد محرر ينتمي إلى المدرسة التي أنتجت سفر تثنية الاشتراع وتستند إليه ليتامل في تاريخ اسرائيل الماضي في ضوء الاختبارات الحديثة القرنان السابع والسادس
نرى هذا التامل خاصة في الخطب الطويلة الواردة في الفصلين الأول والثالث والعشرين بغض النظر عن التنقيحات التي لا تحصى بالنسبة إلى المؤلف السابق
فالفتح مصور وكأنه من عمل اسرائيل كله والاشارة المتكررة إلى اسباط عبر الاردن تنوه بالرغبة في المحافظة على وحدة الشعب في زمن أعيد الجدل في شأنها
وهناك اهتمام شديد بأمانة اسرائيل لإلهه قد يعرضها للخطر في كل حين وجود الأمم الوثنية لأن العهد يفترض الالتزام التام وفي هذه النظرة فقط ندرك سبب التشديد على ابادة الشعوب الساكنة في ارض كنعان وعلى ضرورة تحريمهم
قد يصدمنا هذا التدبير عندما نطالع هذه الروايات ولكنه تدبير نظري اكثر منه واقعي فلقد ابتدع فيما بعد حين اتضح خطر الوثنية الذي تعرض له اسرائيل
مما لا شك فيه أن أهتمام المحررين قد تناول الأرض التي وعد الله بها اجداد الشعب ولذلك يتضمن القسم الثاني من الكتاب من الفصل الثالث عشر إلى التاسع عشر رسم حدود ولوائح مدن لكل من اسباط اسرائيل الاثني عشر فنحن أمام وثائق ثمينة جداً عن تقسيم الأرض التقليدي بين أعضاء الشعب
قد يرتقي بعضهما إلى الزمن السابق لملك داود ولكن لا يمكننا ان ننفي وجود تكملات لاحقة بالنسبة إلى تطور الأوضاع في كل من يهوذا واسرائيل في أيم الملكية إن أخذنا بعين الاعتبار ذلك العمل التحريري الطويل أدركنا على وجه أفضل ما يجب أن نتوقعه على الصعيد التاريخي من سفر يشوع مما لا شك فيه أن عرض الفتح بقيادة يشوع وحده صدار عن تنظيم للأمور لا يحول دون ان نشعر بتعقد الأحداث لا يذكر شيء مثلاً عن فتح بيت ايل وليس هناك آية رواية للاستيلاء على شكيم وفي ذلك دليل راجح على استقرار سلمي بموافقة سكان تلك المدينة وينسب فتح حبرون ودبير إلى في حين أنه يقال في مكان آخر ان كالب هو الفاتح الحقيقي لحبرون وأن عتنيئيل هو الفاتح الحقيقي لدبير وكثيراً ما يتذرعون بشهادة علم الآثار لتعزيز ما يفيدنا التاريخ عن تلك الحقبة وفي الواقع فإن الحفريات التي أجريت في مواقع بعض المدن القديمة كثيراً ما تشهد بتدمير شديد في نقطة الاتصال بين عصر البرونز الحديث الذي ينتهي في حوالي السنة 1200 قبل الميلاد وعصر الحديد ولانهم يحددون دخول بني اسرائيل إلى كنعان في حوالي السنة 1230 قبل الميلاد فلقد حاولوا أن ينسبوا هذا التدمير اليهم لكنه لا يجوز ان نستبعد وجود منافسات بين المدن الدول الكنعانية من جهة او وجود مجتاحين في تلك الأيام قدموا من أماكن أخرى من جهة ثانية فالدليل الأثري في هذه الأحوال عسير الاستعمال ان الشخصية التي تبرز في هذا الكتاب اكثر من يشوع هي ارض الميعاد ففي سفر يشوع تحقيق لما كان موضوع الوعد في التوراة ولذلك ذهب بعضهم إلى إلحاق سفر يشوع بالتوراة أعني بكتب الشريعة الخمسة الأولى ان الأرض هي مكان أمانة الله لشعبه وأمانة الشعب لإلهه إنها عربون العهد المقطوع بين الله واسرائيل ومع ذلك ليست رمزاً جامداً بل دعوة حية توجه بالحاح إلى الانسان ليلتقي الخليقة ويقدسها فالاستيلاء على ارض كنعان وتوزيع عقاراتها بين بني اسرائيل هما تحقيق للوعد الذي وعد به الآباء وجدد لموسى فلا يحسن بنا ان نمل أمام جفاف تعداد الأماكن بل علينا ان نشارك الكاتب في الفرح الذي يشعر به عندما يبين بالتفصيل ذلك الميراث الذي أعطاه الله للاسباط يؤكد سفر يشوع أن الأرض هي في الوقت عينه شيء أعطي ولا يزال إلى تقبله من يد الله فهناك تنازع لا يزول بين الحاضر والمستقبل تنازع هو من مقومات وجود شعب الله
اعداد الشماس سمير كاكوز
تعليقات
إرسال تعليق